تقوم العلاقة بين الزوجين على التواصل والأحاديث الودية التي تلطّف الأجواء
وتذكرهما بالأيام الحميمة واللحظات الجميلة، لكن الصمت الذي يستشري
في أحيان كثيرة إثر توتّر العلاقة بينهما، يؤدي إلى تفاقم المشكلة. د. رضوى فرغلي،
المعالجة النفسية والاختصاصية في العلاقات الزوجية
ومشكلات الطفولة والمراهقة.تسلط الضوء على ذلك
هل يعتبر الصمت بين الأزواج مشكلة؟
لا شك في أن الحياة الزوجية السويّة تساعد كلا الطرفين في الشعور بالتوافق النفسي،
وتتيح لهما فرصة تبنّي أنماط سلوكية إيجابية ومقبولة اجتماعياً.
الأهم أنها تساهم بفاعلية في إعادة اكتشاف الذات
واستخراج الطاقات الكامنة وتنظيمها في سياق أسري مترابط
يعطي الحياة أجمل معانيها. كما أشرنا،
الصمت بين الزوجين أحد الأسلحة التي تقضي على التوقعات الإيجابية المأمولة
من الحياة الزوجية، وتجعل كل شاب أو شابة يضحي بأمور كثيرة،
منها حريته الشخصية، فى سبيل تأسيس حياة زوجية سعيدة.
ما المشاكل المترتبة عليه؟
أزمة حقيقية قد تصحبها مشاكل صحية. قام هانز يورغن،
أستاذ العلاقات الإنسانية في جامعة كيبل الألمانية،
بدراسة تناولت خمسة آلاف زوج وزوجة يمثلون نماذج مختلفة،
اجتماعياً وعلمياً واقتصادياً، من أبرز نتائج الدراسة أن الزوج يشعر بأنه يشقى في العمل،
وأن زوجته لا تقدر تضحياته، ولا حتى جهده. تشعر الزوجة من جهتها،
بأن زوجها يهملها ويعاملها كما لو كانت شيئا من أثاث البيت، ليس أكثر،
فلا يحترمها ولا يستشيرها ولا يهتم بمشاعرها إطلاقاً، وإن فعل،
فلكي يتجنّب الإحراج أمام الآخرين فحسب.
كذلك أظهرت النتائج أن أكثر من نصف المتزوجين
والمتزوجات يعيش في جو من عدم التفاهم وانعدام الثقة،
نتيجة انقطاع التواصل بين الزوجين وأن معدل الحديث بينهما
لا يتجاوز العشر دقائق يومياً، وقد يكون عن أمور تافهة لا أهمية لها،
مثل شراء ملابس الطفل، أو ماذا تأكل غداً،
وماذا قالت فلانة؟!
هذا الانقطاع وعدم التواصل هو السبب الأكبر في سوء التفاهم
وفي الانفصال الرسمي أحياناً. الطلاق العاطفي والنفسي قد يسبق الطلاق المادي،
وحين يسود الصمت بين الزوجين، يذهب التفاهم الى غير رجعة.
من الأكثر صمتاً الرجل أم المرأة؟
الصمت مرض يصيب الرجال أكثر من النساء. بيّن علم الاجتماع سابقاً
أن الصمت من سمات الزوجة، خصوصاً في المجتمعات الريفية والبدوية،
حيث الزوج هو سيّد البيت، وإذا تحدث فهو صاحب الكلمة الأخيرة،
والطاعة تكون على الزوجة والأولاد، لكن مع تطوّر الحياة
ووصول وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية إلى مختلف المجتمعات،
تناقصت تلك الصورة تدريجياً، وأصبح الزوج هو الذي يتحلى بالصمت في أحيان كثيرة.
حتى أن تغيير مظهر الزوجة وشكل البيت وأنواع الطعام لا يجدي،
وقد تضطر الزوجة إلى استعمال الأبناء أو الأقارب كسفراء دائمين
أو متجوّلين بينها وبين زوجها نظراً الى إصابته بمرض «الصمت الزوجي»
الذي قد يصل إلى مرحلة «السكتة الزوجية»...
عندما يصمت الزوج تقلق المرأة، خصوصاً أن الكلام بالنسبة إليها تعبير عن الاهتمام والشوق،
فيما يستنفد الرجل طاقة الكلام في ساعات العمل،
وعندما يعود إلى البيت يصبح الصمت نوعاً من الاسترخاء.
ما هي أسباب الصمت بين الأزواج؟
بعد سنوات الزواج الطويلة، يصل الزوجان الى مرحلة من التفاهم
من دون حتى استخدام كلمات، ويشعران بأن التعبير عن مشاعرهما ضرباً
من اللغو والكلام الفارغ، فلا داعي لكلمة رقيقة أو همسة حب أو حديث
عن الذكريات الجميلة على أساس أنها مشاعر صبيانية وهما تجاوزا تلك المرحلة.
في هذه الحالة «السكوت ليس من ذهب» لأن الحياة الزوجية تصبح هدفاً سهلاً
للملل الذي يؤدي بدوره الى الطلاق. يحاول الزوج،
تحت وطأة الضغط النفسي وربما خلال مشاجرة عادية،
وضع حد لمعاناته الداخلية فيخاطب زوجته بكلمات جارحة وعبارات قاسية،
وهو بذلك يعبّر عن حقيقة مشاعره الدفينة. غالباً،
لا تحاول الزوجة البحث عن أسباب الأزمة الطارئة،
بل تستنكر رد فعل الزوج، ومع مرارة الشعور بوجود شرخ في العلاقة تؤثر الصمت في النهاية كبديل عن قرار أصعب هو الانفصال.
لماذا لا يعبّر الرجال عن مشاعرهم؟
لأن الرجل كان وما زال المسؤول عن توفير الراحة الماديّة للعائلة
من مسكن وملبس وغذاء... ويحقق ذاته من خلال الفعل والعمل؛
أي من خلال أشياء مادية يمكن للجميع رؤيتها ولا حاجة الى التحدث فيها.
إذا تكلّم اليوم، يتمحور حديثه حول زيادة العائدات والمنافسة في العمل.
أما بالنسبة الى المرأة فإنها المسؤولة عن رعاية المكان والأسرة والمشاعر،
أي أن مسؤوليتها تتركز في عالم العائلة الداخلي،
الذي تستخلص شعورها بذاتها من خلال مدى انسجامه وتوافقه.
كذلك اكتسبت الخبرة على الأحاديث الخاصة بالمشاعر
والتعبير عنها من خلال دردشتها مع الصديقات،
فيما يعتبر ذلك مجالاً جديدًا على الرجل.
هل يصبح «الصمت» ضرورة أحياناً؟
وجد علماء النفس أن حالة «السكتة الكلامية» التي يصاب بها بعض الأزواج
ليست حالة مرضية، بل حكمة للهروب من المشاجرات الزوجية،
وعندما تصرخ الزوجة بأعلى صوتها وتقول «زوجي فقد قدرته على الكلام»...
فإنه في الحقيقة لا يريد مزيداً من المشاكل التي تنتهي بها معظم المناقشات العائلية.
بماذا تنصحين للحدّ من المشاكل بين الطرفين؟
كي لا تتحوّل البيوت إلى ساحات للحرب عقب كل مناقشة،
على كلا الزوجين التحلي بصفات حسنة تؤدي الى مزيد من التفاهم الأسري.
قرأت كتاباً لدبلين ثين وشيري شنيدر بعنوان «قواعد تعامل الأزواج»
ووجدت فيه مجموعة من النصائح للأزواج حول كيفية التأقلم والتعايش بسلام.
أبرز النصائح التي قدمها المؤلفان:
1 عدم ترك موضوع الخلاف الرئيس والتطرق إلى مواضيع أخرى
كي لا تتسع الهوة بين الطرفين.
2 الاعتراف باختلاف وجهات النظر:
من الضروري أن يتقبل كل منهما الاختلاف في الرأي والطباع،
والاعتراف بأن الآخر يتحدث لغة مختلفة.
لا بد أيضاً من تجنّب توجيه تبادل الاتهامات في كل خلاف،
مثلاً، قد يكون الزوج ساخراً بطبعه والزوجة تأخذ كل شيء بجدية،
هنا قد ينشب الشجار بسبب اختلاف الطباع.
3 شجاعة الاعتذار:
عند إدراك الخطأ يجب التحلي بالشجاعة للاعتراف به والاعتذار،
اليوم قبل الغد، لأن ترك المشكلة الى وقت لاحق يزيد الأمر تعقيداً.
4 الابتعاد عن الصراخلأنه يمنع الطرفين من الاستماع الى بعضهما البعض
ويزيد اشتعال الخلاف ويفقدهما السيطرة على النفس.
5 التقدير: تنشأ مشكلات كثيرة بسبب عدم تقدير أحد الزوجين
لمتاعب الطرف الآخر.
6 تبادل الإعجاب والإنصات باهتمام للأحاديث الذي يبعد الهموم ويخفف التوتر .
أشارت الدراسات التي أجرتها مجلة «بونته» الألمانية إلى أن تسعًا من كل عشر سيدات
يعانين من الصمت وانعدام المشاعر بين الأزواج المرتبطين منذ أكثر من خمس سنوات.
تشير الأرقام إلى أن 79% من حالات الانفصال تكون بسبب معاناة المرأة
من انعدام المشاعر وعدم تعبير الزوج عن عواطفه لها
وعدم وجود حوار يربط بينهما.
ربط علماء النفس ظاهرة الصمت بين الزوجين ببعض الأمور، منها:
• ضغط الظروف الاقتصادية التي يقابلها غياب الحلول البديلة.
• تناقض الآراء بين الزوجين:
يؤثر كل منهما الصمت وعدم التعرّض للمواجهة.
• إخفاء حقيقة معيّنة:
تصبح لغة الصمت عملية لا شعورية يختفي وراءها أحد الطرفين.
• عدم اهتمام أحد الطرفين بالآخر:
الكلام وصال لا بد منه بين الزوجين،
وإذا اختفى قد يفهمه أحد الطرفين على أنه عدم اهتمام،
وقد يخضع للتأويل الذي يؤدي إلى التوتر وزعزعة المودة والحب بين الطرفين.